كما أن السلطات العمومية التي كان عليها حماية الحركات الاحتجاجية والوقوف موقف المحايد بين هذه الحركات والمسئولين السياسيين والحزبيين، تنحاز بشكل سافر لهؤلاء في محاولة منها لإخراس جميع الأصوات المنددة بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتسبب يوميا في مآسي اجتماعية خطيرة تعمق من التهميش والفقر وتسمح بنهب المال العام والاغتناء غير المشروع للمتنفذين في أجهزة السلطة فضل صمت متواطئ للأحزاب والنقابات والجرائد التي تتحكم فيها وكذا بعض المنظمات الحقوقية كالمنظمة المغربية لحقوق الإنسان التي صاغت مؤخرا تقريرا تحت الطلب لنفي كل انتهاك لحقوق الإنسان بمدينة سيدي افني والتي لا زالت كل الأدلة شاهدة على ما حدث فعلا. فالسلطات المحلية تأمر أجهزة العنيكري بالتدخل لتكسير عظام المحتجين بدون تمييز بين العاطلين والمكفوفين والحقوقيين والمواطنين العاديين. ورغم أن هذا الفعل يشكل انتهاكا خطيرا للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان نظرا لما يحدثه من مساس بالسلامة الجسدية للمواطنين وبحقهم في الاحتجاج، فلا تحدث مساءلات سياسية أو متابعات قضائية بل أن القضاء يلجأ إلى حفظ الدعوات المرفوعة في هذا الشأن كما حدث لدعوى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بسبب القمع الذي أحدثته قوات العنكري بأعضائها في 15 يونيو 2007، بل قد تحدث اعتقالات ومتابعات لكل من يتهم السلطة بخرقها لحقوق الإنسان كما حدث للمناضل الحقوقي إبراهيم اسبع الليل الذي اتهم قوات العنيكري بارتكاب خروقات جسيمة لحقوق الإنسان فتم اعتقاله وتقديمه أمام القاضي العلوي لمحاكمته.
لقد أصبحت السلطات العمومية تستهدف مؤخرا بشكل مقصود الحقوقيات والحقوقيين كما لو أنها تحمل ثأرا اتجاهها، وذلك في خرق سافر لجميع المواثيق التي تحمي المدافعين عن حقوق الإنسان، ففي 13 يونيو 2008 وأثناء وقفة احتجاجية على الممارسات القمعية في حق مواطنات ومواطني سيدي افني بساحة البريد بالرباط، تدخلت السلطات القمعية بعنف مبالغ فيه في حق المدافعين عن حقوق الانسان كعبد الحميد أمين وعبد الاله بنعبد السلام وربيعة البوزيدي وعبد السلام أديب.
ولم تمض 20 يوما على هذه الحادثة وبينما كانت هيئة التضامن مع الطلبة المعتقلين بسجن بولمهارز بمراكش والذين هم في حالة إضراب متواصل عن الطعام من اجل إطلاق سراحهم منذ 11 يونيو 2008 وحيث أن حياتهم أصبحت مهددة، تحاول تنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان يوم الثلاثاء فاتح يوليوز 2008 على الساعة السابعة مساء، وأمام أنظار الجميع أمر قائد منطقة حسان بوبكري قوات العنيكري لسلخ جميع المحتجين وكذلك المارة والجالسين في مقهى باليما، وبذلك بدأ قمع وحشي كان أول ضحاياه شاب كان جالسا في مقهى باليما حيث تم ضربه وتكسير المشروب الذي كان فوق طاولته مما أصابه بحالة هستيرية نتيجة الظلم الذي وقع عليه فبدأ يصرخ ملأ حنجرته ويتمرغ على الأرض، كما أعطيت الأوامر لسلخ عبد الحميد أمين نائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الذي أصيب على مستوى الوجه وفي جميع أنحاء جسمه، كما أصيب عبد السلام أديب رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط في جميع أنحاء جسمه وخاصة في ساقه وعضمة فخده الأيسر، كما أصيب كل من عضوي فرع الجمعية المغربية لحقوق الانسان بالرباط محمد رشيد المعاون الذي أصيب بجرح عميق فوق عينه اليسرى ونوفل عبد المومني الذي أصيب في ساقيه كما أصيبت كل من رشيدة شرابي وربيعة بوزيدي عضوتين في فرع الجمعية بالرباط في جميع أنحاء جسمهما وقد تم التأكد بعد الفحص من أن يد رشيدة شرابي لم تصب بحالة كسر في يدها اليمنى، وقد تم استدعاء سيارة الإسعاف لنقل المصابين الى مستعجلات ابن سينا.
إن السلطات العمومية بالرباط وكذا المفتش العام للقوات المساعدة حميدو العنيكري مسئولون بشكل مباشر عن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في العاصمة وكذا عن استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، فالتدخلات التي تتم تهدر الحق في السلامة الجسدية والحق في الاحتجاج وتحاول خنق كل عمل حقوقي بالعاصمة كما تشكل تدخلاتها انحيازا سافرا للسلطات السياسية على حساب قضايا اجتماعية حقوقية شعبية فتحول بذلك دون إبلاغ صراخ المواطنين للمتحكمين في السلطة.
وإذا كان القضاء يحمي المنتهكين لحقوق الإنسان في بلادنا، فهل هناك إمكانية اللجوء إلى القضاء الدولي لإنصاف المواطنين المغاربة في مواجهة سلطاتهم العمومية؟
Partage